ينهش الحزن قُلُوبنا كما ينهش السرطان أجساد مرضاه ، نُصاب بحمّى الأسى حتى تخار قوانا ولا نعُود نقوى على الوقوف لاستقبال الفرح مـرّة أخرى ، أذكر آخر مـرّة ضحِكت فيها مـِن أعماق قلبِي كانِت أمّي تمشط شعرِي وتغنّي
” جوهرة والجوهر غالِي ما نعطُوها للّي يوالِي “
كانِت تغني فرحاً بإبنتها الغالِية الثمينة التي لا تِقدر بثمن ، متناسية أنّها ولدتنِي في بلد ثمن حيـاتي يساوي رصاصة تخرج مـِن بندقية ثائر ثار ليحميني بالخطأ
أو لربّما أفقد حيـاتي على أثر قصف طيران يطال البيت الذي وُجِد بالنصيب في منطقة إشتباكات ، لا يهم المهم انّ غلاء ثمنِي عندها لا يحسب عند بقية العالم وأنّ عقلِي القابع في جمجمتي يشكّل خطراً إن إستمر بالنضوج بذات الطريقة ثم إِنَّنِي سافرة عاهرة لا أغطّي شعر رأسِي الذي لطالما أعتنت أمّي به ودللّت خصلاته بأفخر واعطر انواع الزيوت ، كانِت تتفاخر به على بنات عمُومتها بجماله قائلة
” بنيتِي شعرها خيط مـِن بساط الليل ونجومه ”
بساط الليل يا غاليتي فقد عفّته وجماله منذ غادر أصابع يديك وغابت عن جدله ، بات يا أمّي مصدر حكم بالفسق والفجور وإنعدام الأخلاق إن لم يغلّف جيداً ، لا مكان لنا هنا يا أمّي الطموح لا يحقق بالتعب والجهد مثلما علّمتنِي
” أقرِي وأحفظي دروسك بش تجِيبي الأولى وتولّي دكتورة ونفرح بيك ”
هنا يا أمّي أن أردتِي شيئا أخذتيه بالمال أو تاجرتِ بجسدك لتحصلي عليه ونحن فقراء المال يا أمّي وأعزّاء النفس وإن مِتنا جوعاً، لا مكان للحب لدينا مـِن أحب وجاهر فقد كَفر بحق البصيرة ويستحق الصَّلب والقتل بالميدان وهو قد أتى فحشاً عظيماً ، ولكن تستطيع أن تُحِب وتخفي حبـّك كخطيئة وجِب سترها ومداراتها لتعيش أتعس لحظاتك مكان أجملها ، نحن نداس بالأقدام يا أمّي ونلقى في النّار التي يوقدون ليتدفئوا بأحلامنا ، نحن نُفقد ونفقِد يا أمّي أجسادنا باتت خاوية الأرواح لا نملك سوى حزمة حزن وكئابة تحيك أيّامنا ونحن جالسون على قارعة طرقات الحياة ، إننا نذبل يا أمّي وليس لسقياك أثر يا غالِيتي