“مصابة بالإيدز”
هي جملة ليست ذات وقع مخيف ولا تعني نهاية حياة الانسان الذي قد يكون تحصّل على العدوى بهذا الفيروس عن طريق الخطأ، ولكن للمجتمع نظرته النمطيّة؛ خصوصا حينما يتعلّق الأمر بالنساء يصبح للإصابة أبعاد أكبر وأكثر تأثير، تواجه النساء المتعايشات مع فيروس الإيدز تحديات جمّة من بينها الرعاية الطبية والتمكين الاجتماعي والقبول كفرد فاعل داخل المجتمع، مما يجعلهن يعتزلن الحياة وينطوين خوفا من الوصم
وفق آخر تقرير نشره المركز الوطني لمكافحة الأمراض السارية والمتوطنة عام ٢٠١٨، قدّر فيه أن عدد المتعايشين مع الإيدز يصل إلى عشرة آلاف مصاب من بينهم ٢٥-٣٠٪ هن من النساء، أمّا فيما يخص آخر الاحصائيات فقد أفاد القائمون على المركز بأن الحرب والوباء كان لهما دور سلبي في إحصاء عدد المصابين، فمنذ اندلاع الاشتباكات انقطعت المنطقة الشرقية تماما عنهم ولم يتم استقبال أي حالة إلى حين صياغة هذا التقرير، وقدّر عدد المصابين إلى قرابة الستة آلاف من بينهم نسبة تتراوح ما بين ٣٥-٤٠٪ كنسبة تقريبية نظرا للوضع الراهن
وفي هذا السياق حدثنا السيّد ساسي موسى أحد العاملين بالمركز بأن المتعايشات مع فيروس نقص المناعة المكتسبة زادت معاناتهن بعد تفشي وباء كورونا وفقدهنّ لبعض الاعمال التي كنّا يقمن بها والتي كانت تقدم لهنّ بعض الدعم المادي، ونقص الامدادات الطبيّة من قبل المركز بعد تقليص الميزانيات وضمّها لمجابهة الوباء وبالتّالي زادت التحديات بالنسبة لهن وانخفض سقف الدعم الذي كان يقدّمه المركز
ضريبة الصمت قد تكون مكلفة
كففّت زاهية دمعها وهي تسند نفسها على كتف ابنتها سارة ذات الأربعة عشرة عاما وقد أنهكها الحديث عمّا عانت طيلة السنوات الماضية جرّاء اصابتها بفيروس نقص المناعة المكتسبة “الإيدز”
زاهية ذات الأربعينية اكتشفت اصابتها بمرض نقص المناعة المكتسب قبل اثنتي عشرة سنة، أم لطفلتين وربّة منزل تقاوم في مجتمع امتلئ بالتحديات على كافّة الأصعدة بالنسبة لها
:روت لنا زاهية بداياتها مع مرض نقص المناعة المكتسب وكيف استطاعت الصمود حتى الآن
“تزوجت رجلا سيء الطباع والمعشر حظيت معه بطفلتين، أعتاد زوجي شرب الكحول والسفر لأوقات طويلة، كنت احتفظ لنفسي بتصرفات زوجي الغير مسئولة لعدّة أسباب اجتماعية، لم أخبر أحدا سوى امي واخواتي البنات بواقعي وكنّا بدورهن يدعمنني بالصبر والدعاء، بعد عودته من احدى رحلاته تعرّض لوعكة صحية شديدة لم يستطع الأطباء اكتشاف ما أصابه طيلة مدة مكوثه بالمشفى، بدأ بخسارة وزنه وتدهورت حالته الصحية أكثر حينها شخّص الأطباء إصابته بفيروس الإيدز الأمر الذي ألزمني وابنتي الخضوع للتحليل لتكوني نتيجة التحليل الخاص بي فقط موجبة ”
تروي زاهية مرحلة ما بعد تشخيص اصابتها والمواجهة مع مجتمعها المصغّر واسرتها:
” لقد نزل الخبر على نفسي كصاعقة من السماء، خلال سنوات زواجي كنت اعلم في قرارة نفسي بأن ما يحدث سيكون ذا أثر يوما ما، بكيت كثيرا ودعوت الله كثيرا حتى استطعت الوقوف على قدمي، عائلة زوجي تنصّلت من مسؤولياتها اتجاهانا وأضافوا للحمل ثقلا بمقاطعتهم لنا بشكل كلّي، أما عائلتي فلم يكن لهم دعم يذكر، تركوني لأواجه مصيري بقليل من الدعم النفسي”
:تجاوز الأثر الاجتماعي لإصابة زاهية العائلة وانتقل إلى المجتمع الأكبر وابتدأت مرحلة الإقصاء والرفض على حد تعبيرها
“بعد وفاة زوجي وجدت نفسي ملزمة بمسؤوليات جديدة، بمستوى معيشي ضعيف ومرض عضال يستنزف صحتي، اضطررت البحث عن مصدر دخل يعيلني وابنتي، بدأت العمل كعاملة نظافة في احدى مدارس الحي ولكن لم تطل المدّة حتى اكتــُشفت إصابتي وطردت من المكان بحجّة ان مرضي معدي، تلك كانت البداية لسيل الوصم الذي قصم ظهري، لقد نبذني المجتمع كوباء قاتل دونما شفقة”
:وسط دموع وحسرة ختمت زاهية حديثها لنا بأن أملها في الله أكبر مما أصابها
“احمد الله كل يوم بأنني ما زلت بصحّة تمكنّي من إعالة ابنتي ولو بالقليل، أهل الخير الصادقين لم يتركوني، تمنّيت لو انني مررت بهذه المحنة في ظل دعم أكبر، ليس المرض هو ما يقتل ولكنّ الإقصاء هو ما الموت البطيء “
حينما ينتهي الطموح بخطأ
” اللهم لا اعتراض على ما ابتليتنا به، ولكن المصاب ليس بهيّن”
هكذا استهلّت نور ذات الستة والعشرين عاما حديثها معنا حول إصابتها بفيروس نقص المناعة المكتسب
شخّصت نور كمصابة إيدز قبل عامين بمحض الصدفة حين قامت بإجراء مجموعة فحوصات طبيّة احترازية قبل سفرها للدراسة بالخارج
” كنت اجري فحص روتيني طبيعي للاستكمال أوراق دراسية حين فاجأتني الطبيبة بأنني مصابة بالإيدز منذ قرابة الشهرين وبأنهم سيقومون بتحويل اوراقي إلى المركز الوطني لمكافحة الأمراض، شابة في مقتبل العمر والحياة تتلقى خبرا كهذا، لم احتمل الصدمة وقعت مغشي عليّ ونقلت للعناية المركزة”
:صدمة نور تجاوزتها لتصل لبقيّة اسرتها وتطرح تساؤلات عدّة حول إصابتها
” استقبل اهلي الخبر كبلاء حل بهم، انطلق والدي واخوتي في استجوابي بعد مغادرتي المشفى حول سلوكي وإذا ما كنت قد قمت بأي تصرّف غير مسؤول على حد تعبيرهم، اذكر تلك الصفعة التي وجهها لي أخي متهما اياي في شرفي، لم يسمح لي بمغادرة غرفتي وبقيت قيد الحجز المنزلي لوقت، ثم أخذت للفحص الشامل لتحديد مصدر إصابتي حيث وصل الأمر لكشف العذريّة للتأكد من اذا كنت قد قمت بأي ممارسات جنسيّة أدّت لنقل العدوى لي، و لله الحمد كانت الفحص سلبيا، فسّر الأطباء ان إصابتي ربّما تكون عن طريق الأدوات الحادة المستعملة في الحلاقين او المشافي، بكيت وقتها فقد ظهرت براءتي”
:انهت نور حديثها معنا وهي متعلقة بأمل طوق النجاة الذي سينقذها ممّا هي فيه
“علاقتي بأهلي وئدت يوم اكتشاف إصابتي على الرغم من ان المرض لم يكن ذنبي إلا انهم حكموا على حياتي بالانتهاء، منعت من كل شيء الدراسة والعمل والاختلاط بالمجتمع ألازم غرفتي والجميع يتحاشى التعامل معي حتى أمي لم تكن عونا لي، أملي الوحيد الآن في النجاة خارج هذا البلد والحصول على فرصة عيش أفضل دونما حكم بالموت البطيء”
التوعية والإرشاد مفتاح الحلول
كشفت لنا رئيسة قسم التوعية والإرشاد النفسي بالمركز الوطني لمكافحة الامراض السارية الدكتورة عالية شيبوب حجم الضرر النفسي الذي تمر به المتعايشات
” عند حديثنا حول تحديات المتعايشات مع فيروس نقص المناعة المكتسب فالأمر متشعّب، بداية من الكوادر العاملة على تقديم الرعاية الصحيّة وصولا إلى عامّة الناس، النساء تبحث عن تقديم الخدمات بالدرجة الأولى وخصوصا الطبية والحقوق الإنسانية الطبيعية دونما تمييز أو إقصاء كمنح فرص العمل والتمكين الاقتصادي، فيما يتعلق بالنساء الحوامل على سبيل المثال فهنّ يحتجن إلى المتابعة الطبية والأدوية اللازمة والاستقبال الطبي اثناء الولادة وهو ما لا نجده متوفرا، دائما ما يجد التمييز طريقه في التعامل مع حالات نقص المناعة سواء بتفادي التعامل معهن أو بتحميلهن قيم مالية مرتفعة لتحقيق المعاملة الطبية الطبيعية”
:وتكمل السيدة عالية في وصف الوعي الأساسي الذي يحتجنه النساء اليوم لحماية أنفسهن أولا ورفع الوعي العام
“في ظل التطور الحياتي الحاصل أصبح من الضروري التركيز على نقل المعلومة الكاملة أثناء التوعية من هذا الفيروس وعدم الاكتفاء بسرد رؤوس العناوين وهو الحق الطبيعي للجميع وخاصّة النساء في عمليّة التوعية والدعم، مع ارتفاع معدلات الإصابة بالطرق الغير مشروعة ونقص الوعي الجنسي أصبح من الضرورة التركيز على أسس التوعية كونها هي الحل الرئيسي لإنهاء التمييز ورفع الظلم الواقع على المصابين، لن نستطيع إيقاف المرض ولكن نستطيع الحد من انتشاره”
الخاتمة
قد يصبح الواقع مختلفا إذا ما قام الجميع بدورهم اتجاه هذه الفئة وتقديم الدعم اللازم لهنّ، الجميع يقع على عاتقه مسؤوليتهن جهات معنيّة وأفراد، هنّ بحاجة لحقوقهن كجزء من المجتمع وأفراد قادرين على المشاركة غسوة ببقيّة افراده