“مصابة بالإيدز”
هي جملة ليست ذات وقع مخيف، ولا تعني نهاية حياة الإنسان، ولكن نتيجة لجهل المجتمع بطبيعة المرض، ونظرته النمطيّة له؛ خصوصا حينما يتعلّق الأمر بالنساء تصبح للإصابة أبعاد أكبر وأكثر تأثيرا.
تواجه النساء المُتعايشات مع فيروس نقص المناعة المكتسبة (HIV) والذي يُعتبر الإيدز إحدى مراحله المتقدّمة؛ تحدّيات جمّة في ليبيا؛ من بينها الرعاية الطبية والتمكين الاجتماعي، والقبول كفرد فاعل داخل المجتمع، ممّا يجعلهن يعتزلن الحياة وينطوين خوفا من الوصم.
في هذه المساهَمة، والتي تتزامن مع يوم الإيدز العالمي، وحملة «هنا ليبيا» سنأخذكم في جولة –محزنة– حول معاناة مسكوت عنها.
عندما تجتمع المصائب؛ حربٌ وكورونا تزيد الوضع تعقيدا
وفق آخر تقرير نشره المركز الوطني لمكافحة الأمراض السارية والمتوطنة عام 2018 قُدّر فيه عدد المتعايشين/المُتعايشات مع الإيدز حوالي عشرة آلاف مصاب من بينهم 25-30٪ من النساء.
أمّا فيما يخص آخر الإحصائيات؛ فقد أفاد القائمون على المركز بأن الحرب والوباء كان لهما دورٌ سلبي في إحصاء عدد المصابين، فمنذ اندلاع الاشتباكات انقطعت المنطقة الشرقية تماما عنهم، ولم يتم استقبال أيّة حالات. وحتى صياغة هذا التقرير (نوفمبر 2020) يقدّر عدد المصابين حاليّا (عدا شرق البلاد) حوالي ستة آلاف من بينهم 35-40٪ نساء (نِسب تقريبيّة)
في هذا السياق. حدثنا السيّد أ. ساسي موسى أحد العاملين بالمركز: بأن معاناة المتعايشات مع مرض نقص المناعة المكتسبة زادت بعد تفشّي وباء كورونا وفقدهنّ لبعض الاعمال التي كنّا يقمن بها، والتي كانت تقدم لهنّ بعض الدعم المادي.
مستأنفا:
“أيضا، نقص الإمدادات الطبيّة من قبل المركز بعد تقليص الميزانيات وضمّها لمجابهة الوباء؛ وبالتّالي زادت التحديات بالنسبة لهن، وانخفض سقف الدعم الذي كان يقدّمه المركز.”
ضريبة الصمت قد تكون مكلفة
كفّفت زاهية دمعها وهي تسند نفسها على كتف ابنتها سارة ذات 14 عاما، وقد أنهكها الحديث عمّا عانته طيلة السنوات الماضية؛ جرّاء إصابتها بفيروس نقص المناعة المكتسبة.
زاهية ذات الأربعين عاما، اكتشفت إصابتها بالفيروس قبل 12 عشرة عاما، هي أمٌّ لطفلتين، وربّة منزل، تقاوم في مجتمع امتلأ بالتحديات على كافّة الأصعدة بالنسبة لها.
تحكي لنا زاهية بداياتها مع مرض نقص المناعة المكتسبة وكيف استطاعت الصمود حتى الآن:
“تزوّجت رجلا سيء الطباع والمعشر، حظيت معه بطفلتين، اعتاد زوجي شرب الكحول والسفر لأوقات طويلة، كنتُ أحتفظ لنفسي بتصرفات زوجي غير المسئولة لعدّة أسباب اجتماعية، لم أخبر أحدا سوى أمي وأخواتي البنات بواقعي، وكنّا بدورهن يدعمنني بالصبر والدعاء”
“بعد عودته من إحدى رحلاته تعرّض لوعكة صحية شديدة، لم يستطع الأطباء اكتشاف ما أصابه طيلة مدة مكوثه بالمستشفى، بدأ بخسارة وزنه وتدهورت حالته الصحية أكثر، حينها، شخّص الأطباء إصابته بفيروس HIV ومرض نقص المناعة المكتسبة الأمر الذي ألزمني وابنتي الخضوع للتحليل، لتكوني نتيجة التحليل الخاصة بي فقط موجبة”
تروي زاهية مرحلة ما بعد تشخيص إصابتها والمواجهة مع مجتمعها المصغّر وأسرتها:
“لقد نزل الخبر على نفسي كصاعقة من السماء، خلال سنوات زواجي كنت أعلم في قرارة نفسي بأن ما يحدث سيكون له أثر يوما ما، بكيتُ كثيرا ودعوت الله كثيرا حتى استطعت الوقوف على قدمي، عائلة زوجي تنصّلت من مسؤولياتها تجاهنا، وأضافوا للحِمل ثقلا بمقاطعتهم لنا بشكل كلّي، أما عائلتي فلم يكن لهم دعم يذكر، تركوني لأواجه مصيري وحيدة”
تجاوز الأثرُ الاجتماعي لإصابة زاهية العائلةَ وانتقل إلى المجتمع الأكبر وابتدأت مرحلة الإقصاء والرفض على حد تعبيرها:
“بعد وفاة زوجي، وجدتُ نفسي ملزمة بمسؤوليات جديدة، بمستوى معيشي ضعيف ومرض عضال يستنزف صحتي، اضطررت للبحث عن مصدر دخل يعيلني وابنتي، بدأت العمل كعاملة نظافة في إحدى مدارس الحي، ولكن لم تطل المدّة حتى اكتُشِفتْ إصابتي وطُرِدتُ من العمل بحجّة أن مرضي معدٍ، تلك كانت البداية لسيل الوصم الذي قصم ظهري، لقد نبذني المجتمع كوباء قاتل دونما شفقة”
وسط دموع وحسرة، ختمت زاهية حديثها لنا بأن أملها في الله أكبر مما أصابها:
“أحمد الله كل يوم بأنني ما زلت بصحّة تمكّنني من إعالة ابنتي ولو بالقليل، أهل الخير الصادقين لم يتركوني، تمنّيت لو أنني مررت بهذه المحنة في ظل دعم أكبر، ليس المرض هو ما يقتل ولكن الإقصاء هو الموت البطيء.”
حينما ينتهي الطموح بخطأ
“اللهم لا اعتراض على ما ابتليتنا به، ولكن المصاب ليس بهيّن”
هكذا استهلّت نور ذات 26 عاما، حديثها معنا حول إصابتها بفيروس ومرض نقص المناعة المكتسبة. شُخّصت نور كمُصابة إيدز قبل عامين بمحض الصدفة حين قامت بإجراء مجموعة فحوصات طبيّة احترازية قبل سفرها للدراسة بالخارج.
“كنت أُجري فحصا روتينيّا طبيعيّا، لاستكمال أوراق دراسية؛ حين فاجأتني الطبيبة بأنني مصابة بالإيدز (نقص المناعة) منذ قرابة شهرين، وبأنهم سيقومون بتحويل أوراقي إلى المركز الوطني لمكافحة الأمراض، شابة في مقتبل العمر والحياة تتلقى خبرا كهذا، لم أحتمل الصدمة، وقعتُ مغشيّا عليّ، ونُقِلتُ للعناية المركزة“
صدمة نور لم تقتصر عليها، لتصل إلى بقيّة أسرتها، وتُطرَح تساؤلات عدّة حول إصابتها:
“استقبل أهلي الخبر كبلاء حلّ عليهم، انطلق والدي وأخوتي في استجوابي بعد مغادرتي المستشفى حول سلوكي وإذا ما كنتُ قد قمت بأي تصرّف غير مسؤول على حد تعبيرهم. أذكر تلك الصفعة التي وجّهها لي أخي متهما إياي في شرفي، لم يُسمَح لي بمغادرة غرفتي وبقيت قيد الحجز المنزلي لوقت”
“بعد ذلك، أُخِذتُ للفحص الشامل لتحديد مصدر إصابتي، حيث وصل الأمر لكشف العذريّة للتأكّد؛ ما اذا كنتُ قد قمتُ بأية ممارسات جنسيّة أدّت لنقل العدوى لي، ولله الحمد كان الفحص سلبيا، فسّر الأطباء أن إصابتي ربّما تكون عن طريق الأدوات الحادة المستعملة في الحلاقين أو المستشفيات، بكيت وقتها فقد ظهرت براءتي“
أنهت نور حديثها معنا وهي متعلقة بأمل طوق النجاة الذي سينقذها ممّا هي فيه:
“علاقتي بأهلي وئدت يوم اكتشاف إصابتي، على الرغم من أن المرض لم يكن ذنبي. إلا أنهم حكموا على حياتي بالانتهاء، مُنِعتُ من كل شيء، الدراسة والعمل والاختلاط بالمجتمع، ألازم غرفتي والجميع يتحاشى التعامل معي حتى أمّي لم تكن عونا لي، أملي الوحيد الآن في النجاة خارج هذا البلد، والحصول على فرصة عيش أفضل، دونما حكم بالموت البطيء”
التوعية والإرشاد مفتاح الحلول
كشفت لنا رئيسة قسم التوعية والإرشاد النفسي بالمركز الوطني لمكافحة الأمراض السارية الدكتورة عالية شيبوب حجم الضرر النفسي الذي تمر به المتعايشات:
“عند حديثنا حول تحدّيات المتعايشات مع فيروس نقص المناعة المكتسبة فالأمر متشعّب، بداية من الكوادر العاملة على تقديم الرعاية الصحيّة، وصولا إلى عامّة الناس. النساء تبحث عن تقديم الخدمات بالدرجة الأولى، وخصوصا الطبية والحقوق الإنسانية الطبيعية دونما تمييز أو إقصاء، كمنح فرص العمل والتمكين الاقتصادي”
ثمّ تردف قائلة: “فيما يتعلق بالنساء الحوامل على سبيل المثال؛ فهنّ يحتجن إلى المتابعة الطبية والأدوية اللازمة والاستقبال الطبي أثناء الولادة، وهو ما لا نجده متوفرا، دائما ما يجد التمييز طريقه في التعامل مع حالات نقص المناعة المكتسبة؛ سواء بتفادي التعامل معهن أو بتحميلهن قيم مالية مرتفعة لتحقيق المعاملة الطبية الطبيعية”
وتكمل د. عالية وصف الوعي الأساسي الذي تحتاجه النساء اليوم؛ لحماية أنفسهن أولا، ورفع الوعي العام:
“من الضروري التركيز على نقل المعلومة الكاملة أثناء التوعية، وهو الحق الطبيعي للجميع وخاصّة النساء، مع ارتفاع معدلات الإصابة بالطرق غير المشروعة ونقص الوعي الجنسي. أسس التوعية هي الحل الرئيسي لإنهاء التمييز ورفع الظلم الواقع على المصابين، لن نستطيع إيقاف المرض ولكن نستطيع الحد من انتشاره“
الخاتمة
قد يُصبح الواقع مختلفا إذا ما قام الجميع بدورهم تجاه المصابات بهذا المرض، وتقديم الدعم اللازم لهنّ. الجميع، أفرادا ومؤسّسات حكوميّة وغير حكوميّة، يقع على عاتقهم المسؤولية. المتعايشات بحاجة لحقوقهنّ كجزء من المجتمع وأفراد قادرين على المشاركة أسوة ببقيّة المواطنين.
الرابط الأصلي للمقال: