عقب الزيارة التي توجّه فيها رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة للعاصمة القاهرة في 15 سبتمبر/ أيلول الجاري، ظهر تسريب لتسجيل صوتي جمع رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي رفقة رئيس الحكومة الليبية في نقاش حول قضية مجموعة الخرافي الكويتية الشهيرة المتنازع عليها منذ عام 2010، أبان حكم العقيد الراحل معمّر القذافي، الأمر الذي وضع الحكومة الليبية في موقف محرج يلزم وفدها تقديم تبرير لما حدث.
بالعودة لقضية الخرافي، فإن الإشكال انطلق بعد سحب الحكومة الليبية لقطعة أرض تبلغ مساحتها ستة هكتارات، ممنوحة لمجموعة الخرافي بعقد انتفاع يمتد لمدّة 90 عاماً، في منطقة تاجوراء بالعاصمة طرابلس، يذكر أنّ القضية قد حصلت فيها مجموعة الخرافي على حكم لصالحها من هيئة التحكيم العربي في مارس/أذار عام 2013، يقضي بدفع ليبيا مبالغ تعويضية لتغطية خسائر تتجاوز قيمتها 100 مليون دولار، وعندها تقدّمت الحكومة الليبية للقضاء المصري باستئناف الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة ليكون الرد في فبراير/ شباط 2014 برفض الطلب، عملاً بالاتفاقية الموحدة.
لم ينته الخلاف هنا، بل استمرّت المجادلات وتصعيد الموقف بعد حجز مجموعة الخرافي على قيمة 120 مليون دولار أمريكي عام 2014 من أموال المؤسسة الليبية للاستثمار في فرنسا وفق حكم التحكيم العربي.
وفي آخر تطورات القضية التي تجددت عام 2015 بقبول محكمة النقض المصرية طلب الطعن المقدم من الحكومة الليبية في حكم الاستئناف، عادت القضية للمرة الثالثة للمحاكم المصريّة ويعود معها التنازع الليبي الكويتي.
التسريب الذي تحدّث فيه الطرفان في اجتماع سرّي جمع وفدي الحكومة الليبية والمصرية حول إمكانية حلحلة الإشكال الذي قضى سنوات داخل المحاكم المصريّة، وكيف بالإمكان أن يفصل القضاء المصري بشكل عادل في القضيّة، وفق طلب رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة الذي ناقض نفسه في الحديث تارة عن عدل القضاء المصري، وتارة عن اتهامه بأن القضية أخذت مجرى غير مقبول، وبأن ما حدث هو تعدٍّ على سيادة الدولة الليبية ومقدراتها باستغلال المؤسسات التي لا تتبع السلطات المصرية، في إشارة إلى نظام القضاء المصري المستقل.
في حقيقة الأمر التسريب الذي لم يحمل مضموناً سرياً أو تفاصيل من شأنها أن تضع السلطات المصرية في محط محرج، إلا أنّه سبب في توتّر شديد باعتبار ما حدث صادراً عن رجال دولة وفق تعبير المحللين السياسيين المصريين، فقد وصف الباحث محمد فتحي خلال لقائه مع قناة العربية ما حدث أنه يدل على عدم نضج من قبل الشخصيات التي كانت حاضرة خلال الاجتماع، مع إشارته إلى شخص وليد اللافي وزير الدولة للشؤون السياسية والاتصال، لارتباط التسريبات بصفحات تواصل تابعة له على حد تعبير محمد فتحي.
وليد اللافي الشخصية الجدليّة التي كانت رفقة رئيس الوزراء الليبي عبد الحميد الدبيبة، تلوح الاتهامات حوله بأنه المسؤول وراء التسريب الذي نشر عبر صفحات عامّة على فيسبوك، يشاع أنّها تابعة لوليد بشكل مباشر، وتتضمن إسقاطاً حول حملات التزكية التي تقدم عليها هذه الصفحات بين الحين والآخر في شخص وليد بشكل محدّد ودقيق.
وليد الذي يحمل خلفية تميل إلى التيار الإسلامي المتشدد من خلال عمله كرئيس لقناة النبأ الإخبارية المملوكة لعضو جماعة المقاتلة عبد الحكيم بالحاج، والتي حلّت بعد خلاف اشتد بينهما، انتهى بإقفال القناة واتّجاه وليد إلى افتتاح شبكة سلام وقناة فبراير الحربية التي أنشأت خلال حرب 2019، كوحدة تعبئة إعلامية بدعم من المجلس الرئاسي في حينها.
نشطاء عدّة وصفوا تصرّف وليد بالمراهقة السياسية، التي من شأنها أن تعقّد العلاقات الليبية المصرية التي لم تحمل أياماً من الانفتاح بعد إعلان تغيير حركة الطيران كتسهيل ليبي مصري واتفاقيات الدعم المبرمة للإعمار والبنى التحتية، والتي هي بالأهميّة القصوى للطرفين، ما زالت ردود الفعل من الطرفين لم تخرج للعلن ولكن الأكيد أنّها لن تحسب كحدث عابر.
من الجانب الليبي لم تأت ردود الفعل شاكرة لما حدث، ولا مهللة لكون عبد الحميد الدبيبة يطالب بأموال الليبيين المنهوبة، ولكن الإجماع كان حول الإقدام على هذه “الخطوة الصبيانية” مثلما وصفها بعض النشطاء المحليين، حسام القماطي أحد النشطاء المحليين المعارضين للسياسات التي تتبعها حكومة الدبيبة نشر عبر حسابه على فيسبوك، أن التسريب سواء كان متعمداً أو مغلوطاً، فإنّه تصرّف يسيء للحكومة الليبية ومن شأنه أن يعقّد العلاقات الليبية المصرية، ويزيد من التعقيد في قضية الخرافي ذاتها التي عملت الحكومات الليبية المتعاقبة على حلحلتها. فيما شارك الناشط صياد الجبل عبر حسابه على تويتر وجهة نظره التي تمحورت حول أن التسريب مقصود لرفع رصيد عبد الحميد الدبيبة الشعبي وتعزيز وجوده لدى عامة الشعب، و”هو أمر غير مقبول”.
التسريب كذلك حوى إشارات إلى التعاون الليبي المصري والاستثمارات الليبية التي نشأت في مصر منذ ثمانينيات القرن الماضي. هذا التعاون استؤنف في إبريل/ نيسان الماضي بعد زيارة رئيس وزراء الحكومة المصرية مصطفى مدبولي، التي انتهت بتوقيع 11 مذكرة تفاهم. ليستمر العمل خلال هذه الزيارة بتوقيع مذكرات تفاهم بقيمة تصل إلى 33 مليون دولار في مجالات إعادة الإعمار موزّعة بين طرابلس وبنغازي ومدن الجنوب، حيث ترتكز الأعمال في المنطقة الجنوبيّة في مشاريع تحلية المياه والطاقة بينما تتوزّع بقيّة المشاريع بين الطرق والجسور والكهرباء والمواصلات التي تعتبر المنطقة الشرقية هي نقطة الارتكاز فيها.
الاتفاقية الليبية المصرية أتت في وقت تواجه الحكومة الليبية إشكاليات دبلوماسية مع جارتها تونس، الأمر الذي يجعل صراع الاستثمارات داخل ليبيا يسجل حتى اللحظة لصالح الحكومة المصريّة التي استطاعت إثبات وجودها في خانة الاستثمارات الليبية بقوّة. ولكنّ التحديث الأخير حول التسريبات من شانه أن يضعف الموقف العام ويضع مصير المشاريع التي ستنجز في خانة التأجيل غير معروف المسار.
الرابط الأصلي للمقال