“أين منصور؟” و”الحرية لمنصور عاطي”، هاشتاغان اقتحما مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، تويتر، وإنستغرام على المستوى المحلي الليبي، بعد اختطاف الناشط المدني، ومدير فرع الهلال الأحمر الليبي في مدينة أجدابيا، منصور عاطي في الرابع من حزيران/ يونيو، وفي وضح النهار.
خمسة عشر يوماً مضت على اختطاف منصور من سيارته الخاصة بالقرب من مقر عمله في فرع الهلال الأحمر الليبي، من دون أي بيان يُذكر من الجهات الأمنية الموجودة في المدينة، فيما أكدت القوات التابعة للقيادة العامة للقوات المسلحة أنه لا علاقة لها باختطافه، بعد الإشارات التي أطلقتها بعض المنصات الإعلامية المضادة للتيار العسكري الموجود شرقاً.
التزم الهلال الأحمر فرع أجدابيا الصمت، من دون استنكارٍ، أو تنديد بتغييب رأس الهرم القائم عليه، أو حتى الدعاء لعودته سالماً، فيما نفّذت الأمانة العامة للهلال، وجمعياتها العمومية، وقفة احتجاجية في الـ19 من حزيران/ يونيو، ظنّها البعض وقفة للتذكير بأن منصور لم يُنسَ، إلا إنها كانت وقفة احتجاجية مستنكرة للتدخلات المباشرة في عمل الهلال الأحمر، والوحدات التابعة له، ولتحميل مجلس النواب وأعضائه مسؤوليتهم تجاه الانتهاكات المباشرة التي تحدث للهلال الأحمر وأعضائه، من دون الإشارة إلى رفيقهم منصور المغيب قسراً منذ أكثر من أسبو
لماذا الآن؟ ولماذا منصور؟
يُعدّ منصور عاطي أحد أبرز القيادات الشابة في المنطقة الشرقية، كما يُعدّ وجهاً من وجوه الحراك المدني المؤمن بأسس الدولة، ومشروع قيامها.
وعلى الرغم من تضارب الأخبار والتصريحات، إلا أن بعض الناشطين يرجّحون أن عملية اختطافه لها علاقة بمشاركته الأخيرة في مبادرة تكتل شباب بلديات الهلال النفطي، إذ استُدعي منصور للتحقيق معه، من قبل أجهزة تابعة لوزارة الداخلية وفق تصريح عائلته والمقربين منه، عقب البيان الذي قام بقراءته في ختام فعاليات الملتقى، وشدد فيه على ضرورة الذهاب إلى صندوق الاقتراع، وأهميّة إشراك الشباب في المرحلة القادمة كممثلين عن أقرانهم، وكصانعين للسلام والقرار معا
وحمّل الكاتب والمحلل السياسي الليبي محمد الجارح قيادة الجيش المسؤولية عما ينسب إليها من جرائم وأعمال خارج إطار القانون، من قبل من وصفهم بمجموعات تستخدم الجيش كغطاء لممارساتها الإجرامية، في إشارة إلى أنّ عملية الاختطاف قد تُنسب إلى القيادة العامة، أو المنتسبين إليها، وفي كلتي الحالتين، فإن على عاتق القيادة مسؤولية إخفاء منصور.
فيما وصف الناشط مروان الطشاني عملية القبض، بأنها غير شرعية، وغير قانونية في إشارة إلى أن منصور لم يُختطف، ولكن قُبض عليه.
في المقابل، لم تُصدر وزارة الداخلية التابعة للحكومة المؤقتة الموجودة شرقاً، بياناً حتى اللحظة، حول ما إذا كانت التحقيقات جارية، أو أن عملية الاختطاف تتم متابعتها، أو البحث والتحرّي عنها. ولا يزال الناشطون يدفعون نحو ضرورة الإفصاح عن مصير منصور المجهول، مطالبين وزارة الداخلية باتخاذ الإجراءات اللازمة
أين الحكومة؟
في العاشر من حزيران/ يونيو، صرّح الناطق باسم حكومة الوحدة الوطنية محمد حمودة عبر تطبيق Clubhouse في نادي ليبيا فقط، بأنهم على تواصل مع الجهات الأمنية، وبأن الأخبار الجيدة قادمة، ولكنّه لا يستطيع التصريح بها في الوقت الراهن على حد وصفه، وهو ما وضع الأمر تحت بند الريبة والشك. وطُرحت الأسئلة بين أصدقاء منصور، وزملائه، حول تحفظ الحكومة عن ذكر معلومات من شأنها أن تطمئن أهله وذويه، وأن تسكّن الرأي العام المتأجج حول اختطافه وإخفائه القسري. ولماذا لم يذكر الناطق باسم الحكومة من هي الجهات التي هم على تواصل معها؟ ولماذا لم يُرَ وفد من الحكومة وهو يقصد شرق البلاد لاستعادة منصور، خصوصاً وأنّه شخصية لها وزنها الاجتماعي؟
الاختطاف لا يتوقف في ليبيا
ليس منصور أوّل الراحلين شرقاً، ولا يظهر بأنّه سيكون آخرهم، فقد تم اختطاف النائبة سهام سرقيوة من منزلها من قبل كتيبة أولياء الدم، وفق ما ذكر شهود عيان من سكان الحي شاهدوا كتابات باللون الأحمر على حائط المنزل مثل “كتيبة أولياء الدم”، و”الجيش خط أحمر”.
عملية اختطاف سهام أتت بعد تصريحها الأخير لقناة الحدث، والذي أشارت فيه إلى أن الحرب على أطراف العاصمة آنذاك، لا بد من إنهائها، والعودة إلى طاولة الحوار، ليتم الهجوم على منزلها بعد ساعات معدودات، واختطافها، ومهاجمة زوجها، وإضرام النيران في بيتها، ليصبح مصيرها، هي الأخرى، مجهولاً حتى اللحظة.
في الجانب نفسه، اغتيلت المحامية والناشطة المدنية حنان البرعصي عقب البث المباشر الذي كانت قد بدأته من سيارتها للحديث عن الانتهاكات التي تحدث في المدينة، وأشارت خلاله إلى أنها مهددة بالقتل، وتخشى أن تُغيّب هي الأخرى، وتصف نجاة ابنتها من عملية اغتيال سابقة، متوعدة بكشف الحقائق حول الاعتداءات التي تطال النساء في المنطقة. وفي العاشر من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي قُتلت حنان في بنغازي من قبل مجموعة ملثمة كانت تحاول اختطافها، وعندما قاومتهم أطلقوا النار عليها، وأردوها قتيلة على الأرض.
حنين العبدلي ابنة الناشطة حنان، التي لم تصمت عن مقتل والدتها، كان مصيرها، هي الأخرى، السجن العسكري بعد اقتيادها من منزلها في الـ26 من آذار/ مارس الماضي في ظروف غامضة مشابهة لظروف عمليات الاختطاف، ليصرّح رئيس النيابة العسكرية بعدها بأن حنين موجودة في السجن العسكري بتهمة اغتيال الرائد في قوات الصاعقة محمود الورفلي في سيارته. حنين التي تقضي عقوبة السجن حتى اللحظة من دون محاكمة، سُلبت هي الأخرى حريتها في ظروف قمعية مشابهة.
سيناريوهات متكررة تستنكرها المنظمات العاملة في المجال الإنساني، وتشدد باستمرار على ضرورة عمل الحكومة بالتعاون مع المنظمات المحلية، للحد من هذه الممارسات القمعية التي من شأنها أن تقف عائقاً في سبيل التحول الديمقراطي الذي يسعى الجميع إلى تحقيقه في ليبيا
القادم أسوء من الموجود الآن
على الرغم من إدانة البعثة الأممية، والبعثات الدبلوماسية، عملية اختطاف منصور، ومطالبتهم المستمرة طوال هذه الفترة بضرورة الإعفاء عنه، والكشف عن مصيره، وعن سبب الاعتقال، أو الاختطاف، أو الإخفاء القسري، إلا أن التجاوب على الأرض يكاد لا يُذكر، وعليه فإن التخوف من أن يكون السيناريو القادم أسوء من الموجود الآن، يبعث على القلق
وتأتي عملية إخفاء منصور في وقت قياسي فارق، إذ تتجهز ليبيا لإجراء الاستحقاق الانتخابي القادم، ويُعدّ منصور أحد أعمدة المطالبة بالذهاب إلى هذا الاستحقاق في المنطقة الشرقية، ما يجعل عملية اختطافه تنذر بأن البيئة ليست جاهزة بعد، خصوصاً وأن معارضي التيار العسكري في الجهة المقابلة يلوّحون عند كل عملية اختطاف، أو اعتداء على الناشطين، بأنها رسائل واضحة لرفضه الذهاب إلى أي استحقاق قادم من شأنه ان يقصيه عن المشهد، ويرون أن إجراء الانتخابات، أو أي استحقاق قادم، يكاد يكون مستحيلاً في ظل الظروف الراهنة.
ويعدّ المجتمع الدولي ليبيا منطقة محظورة في ما يتعلق بمقاييس الأمن، خصوصاً وأنها قد حلّت في المرتبة 157 في مؤشر السلام والأمن العالمي للعام 2020، مما يجعل البيئة في ليبيا مهيأةً لارتفاع مستوى العنف والجرائم
الرابط الأصلي للمقال